فصل: السبب الثالث: إمالة الألف المشبهة بالمنقلبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإقناع في القراءات السبع



.باب: الإمالة:

معنى الإمالة أن تنتحي بالفتحة نحو الكسرة انتحاء خفيفا، كأنه واسطة بين الفتحة والكسرة، فتميل الألف من أجل ذلك نحو الياء، ولا تستعلي كما كانت تستعلي قبل إمالتك الفتحة قبلها نحو الكسرة، والغرض بها أن يتشابه الصوت مكانها، ولا يتباين.
وجعلنا باب الإمالة إلى جنب باب الإدغام للمشابهة التي بينهما؛ لأن الإدغام تقريب حرف من حرف، والإمالة كذلك.
وللإمالة أسباب توجبها، قد حصرها أبو بكر بن السراج في أصوله، وفيما نقل أبو علي عنه، إلى ستة أسباب وهي: كسرة تكون قبل الألف أو بعدها، وياء، وألف منقلبة عن الياء، وألف مشبهة بالألف المنقلبة عن الياء، وكسرة تعرض في بعض الأحوال، وإمالة لإمالة.
فهذه هي الأسباب الموجبة للإمالة، ما لم يمنع من ذلك الحروف المستعلية أو الراء غير مكسورة.
قال لي أبي -رضي الله عنه: وهذه الأسباب منفكّة من كلام سيبويه، وأخبرنا أبي -رضي الله عنه- أن سيبويه زاد ثلاثة أسباب شاذة، وهي إمالة الألف المشبهة بالألف المنقلبة، والإمالة للفرق بين الاسم والحرف، والإمالة لكثرة الاستعمال.
ونظرنا إلى ما اختلف فيه القراء، فأماله بعض، وفتحه بعض، وجعله بعض بين بين من الكلم، فوجدنا تحت كل سبب من هذه الأسباب مطردها وشاذها شيئا مختلفا فيه، إلا الياء وحدها، فرأينا أن نسوق الخلاف على هذه الأسباب، ونحصر في كل سبب ما وقع فيه من الخلاف، فيكون بذلك القارئ للترجمة قد علم السبب في إمالتها، فإن كانت الكلمة قد أُميلت لعدة أسباب ذكرتها في باب السبب الأولى بها، ونبهت على ما انضاف إليه.

.السبب الأول: إمالة الألف للكسرة

قد تكون الكسرة بعد الممال، وقد تكون قبله، فالأول ينقسم قسمين:
مثال فيه راء، ومثال لا راء فيه.
والمثال الذي فيه الراء ينقسم قسمين: أن تكون كسرة الراء كسرة إعراب، أو كسرة بناء، والذي كسرته من الراءات كسرة إعراب ينقسم قسمين: ألف زائدة للمد، وألف منقلبة من أصل.
فالذي فيه الألف زائدة للمد ينقسم إلى تسعة أوزان: أفعال، فُعَّال، فِعال، فَعَال، فَعَّال، فِيعال، فِعلال، مِفعال، إِفعال.
والألف المنقلبة مختصة ببناء واحد، وهو: فَعَل.
تمثيل ذلك: أفعال نحو: "أبصارهم، وبالأسحار، وأوزار، والأبرار" ونحوه، وجملته أربعة وأربعون موضعا.
فُعَّال: "الكفار، الفجار" هاتان اللفظتان حيث وقعتا مجرورتين، وجملته ثمانية مواضع.
فِعَال نحو: "دياركم، وديارهم، وحمارك، وجدار" وجملته ثمانية عشر موضعا.
فَعَال نحو: "النهار، وقرار، والبوار" وجملته اثنان وثلاثون موضعا.
فَعَّال نحو: "كفار، وسحار، وصبار" وجملته سبعة عشر موضعا.
فَيعال في موضع واحد: {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ} [آل عمران: 75].
فِعلال موضع واحد: {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران: 75].
مِفعال موضع واحد: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد: 8].
إِفعال موضعان: {الْإِبْكَارِ} في [آل عمران: 41، وغافر: 55].
فَعَل نحو: "النار، والجار، والدار" وجملته ثمانية وثمانون موضعا، فأمال جميع ذلك أبو عمرو والكسائي في رواية الدوري.
قال الأهوازي: وإمالة الكسائي أشبع من إمالة أبي عمرو.
واستثنى أبو عمرو {الْجَارِ} في الموضعين في [النساء: 36] ففتحه، وقيل عنه بالإمالة فيهما، وقيل عنه أيضا بالفتح في {الْغَارِ} [التوبة: 40] وهو اختيار ابن مجاهد له، وأحسب أن الفتح في ثلاثتها اختيار من الأئمة، ولا رواية تؤثر عنه، والله أعلم.
وتابعهما أبو الحارث على الإمالة فيما تكررت فيه الراء من ذلك، نحو "قرار، والأشرار، والأبرار" وأخلص الفتح فيما سوى ذلك.
وقرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين، واختُلف عنه في {الْجَارِ}.
تابعه حمزة على ما تكررت فيه الراء، وعلى {الْقَهَّارُ} حيث وقع و {دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم: 28] لا غير، وفتح ما بقي.
وحدثنا أبو القاسم، حدثنا أبو معشر، حدثنا الحسين، حدثنا أبو الفضل الخزاعي قال: قال الشذائي: قرأت على أصحاب محمد بن سعيد البزّاز، والحلواني، عن خلاد، وعلى جميع من قرأت عليه بحرف حمزة من الكوفيين، وعلى أصحاب الضبي، بفتح جميع هذا الباب من غير استثناء.
وأمال ابن ذكوان إلا من طريق ابن شنبوذ، فيما قرأت به على ابن شريح، والشنبوذي والثغري عن ابن الأخرم {إِلَى حِمَارِكَ}، و {الْحِمَارِ} في [البقرة: 259، الجمعة: 5] لا غير، واختلف فيهما عن النقاش، وبالإمالة أخذ الخزاعي لجميع من ذُكره من رواة ابن ذكوان، وبه آخذ.
وأخلص الباقون الفتح في الباب كله.
ويتعلق بهذا الباب {هَارٍ} في [التوبة: 109].
قرأه قالون وأبو عمرو والكسائي وأبو بكر {هَارٍ} بالإمالة.
واختُلف عن ابن ذكوان، فقال النقاش بالفتح، وقال السلمي عن ابن الأخرم بين اللفظين كورش، والمشهور عنه إمالتها.
وكذلك قال أهل العراق عن ابن الأخرم وورش بين اللفظين، وكذلك ذكر الأهوازي عن أبي الحارث، والباقون بالفتح.
والوجه في {هَارٍ} أن يكون محذوفا من "هاير" لا مقلوبا منه، فالراء لام.
قال سيبويه: الحذف أكثر من القلب، فالكسرة إذًا إعراب، وهو هذا الباب.

.شرح ما كسرة الراء فيه بناء:

وهو ينقسم قسمين، أن تكون الراء لام الفعل أو عينه؛ فالذي فيه الراء لام الفعل أصل مطرد، وهو {الْكَافِرِينَ} إذا كان بعده ياء، سواء كان منصوبا أو مجرورا.
وحروف هي {جَبَّارِينَ} في الموضعين [المائدة: 22، والشعراء: 130] و {أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} في الموضعين [آل عمران: 52]، [والصف: 14].
فأما {الْكَافِرِينَ} فأماله أبو عمرو والكسائي حيث وقع في إعرابيه، وقرأه ورش بين اللفظين.
وأخلص الباقون فيه الفتح.
ولا خلاف في فتح {أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} [البقرة: 41] إلا ما روى ابن فرح عن الدوري عن اليزيدي عن أبي عمرو، وعن الكسائي أنه أماله.
ولا خلاف في فتح {كَافِرَةٌ} [آل عمران: 13].
وأما {جَبَّارِينَ}، و {أَنْصَارِي} فأمالهما أبو عمر عن الكسائي، وكذلك روى الكاغدي عن أبي عمر عن اليزيدي، عن أبي عمرو في {أَنْصَارِي}.
واختلف عن ورش في {جَبَّارِينَ} فكان أبو الطيب وابنه يأخذان بالفتح، وبه أخذ أبو محمد مكي.
وكان عثمان بن سعيد يختار له بين بين، ويذكر أنه كذلك قرأ على خلف بن خاقان وفارس بن أحمد، والباقون بالفتح.
والذي هي فيه عين الفعل حروف هي: {بَارِئِكُمْ} في الموضعين في [البقرة: 54]، و {الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} في [الحشر: 24]، و {وَسَارِعُوا}، و {يُسَارِعُ}، و {يُسَارِعُونَ} حيث وقع، وجملته تسعة مواضع، و {الْجَوَارِ} في [الشورى: 32]، [والرحمن: 24]، [وكورت: 16].
فأمال الألف فيهن أبو عمر عن الكسائي، قال الأهوازي: سمعت أبا عبد الله اللالكائي يقول: كسر {الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} عن الكسائي قياس لا نص.
وروى أبو عثمان المؤدب عن أبي عمر عن الكسائي إمالة {يُوَارِي}، و {فَأُوَارِيَ} في الموضعين في [المائدة: 31] كذا قال عن أبي عثمان: ابن شنبوذ وأبو طاهر بن أبي هاشم، على أن الأهوازي قد حكى عن أبي طاهر عن أبي عثمان الفتح، ولعل أبا طاهر روى عنه الإمالة ولم يأخذ بها إيثارا لما قرأ به علي ابن مجاهد من الفتح.
وروى أبو حامد بن المنقى عن أبي عمر عن الكسائي: {فَلا تُمَارِ فِيهِمْ} في [الكهف: 22] بالإمالة.
وروى الخفاف عن أبي الزعراء عن أبي عمر عن الكسائي الإمالة في الكلمات الثلاث.
الباقون بالفتح في جميع ذلك.
وتفرد هشام بإمالة {مَشَارِبُ} في [يس: 73].

.شرح ما لا راء فيه مما أميلت ألفه للكسرة بعده:

روى أبو عمر عن الكسائي إمالة {آذَانِهِمْ}، و {آذَانِنَا} حيث وقع، وجملته ثمانية مواضع.
و {طُغْيَانِهِمْ} حيث وقع، وجملته خمسة مواضع.
وروى هشام عن ابن عامر في {آنِيَةٍ} في [الغاشية: 5]، و {عَابِدُونَ}، و {عَابِدٌ}، و {عَابِدُونَ} في [الكافرون: 3، 4، 5] بالإمالة.
وروى أبو حمدون وأبو عبد الرحمن وابن سعدان عن اليزيدي: {النَّاسِ} حيث وقع مجرورا بالإمالة، قال أبو طاهر بن أبي هاشم: ولم يرو عن أبي عمرو من وجه يرتضى صحته خلاف قولهم، وهو اختيار عثمان بن سعيد.
قال: وما روى ابن جبير من الفتح لعله أراد به في النصب والرفع، وبالإمالة آخذ على أبي -رضي الله عنه- لأبي عمرو عن قراءته على أصحاب عثمان بن سعيد.
قرأ حمزة: {أَنَا آتِيكَ بِهِ} في الحرفين في [النمل: 39، 40] بإمالة فتحة الهمزة إشماما، وعن خلاد اختلاف.
الباقون بالفتح في ذلك كله، والله أعلم.

.شرح ما أميل للكسرة قبله:

قد يكون الممال للكسرة قبله الألف، وقد يكون الراء في مذهب أهل مصر عن ورش، وسنذكر هذا في باب مفرد، إن شاء الله.
والألف في هذا الباب قد تكون منقلبة عن ياء، وقد تكون منقلبة عن واو.
قرأ حمزة والكسائي {الرِّبا} في سبعة مواضع، وألفه منقلبة عن واو، و {الزِّنَى} وهو في موضع واحد، {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} في [سبحان: 32]، و {إِنَاه} [الأحزاب: 53] وألفهما منقلبة عن ياء، و {كِلاهُمَا} [الإسراء: 23] وألفها تحتمل أن تكون منقلبة عن ياء وعن واو، وعن الواو أقيس، بالإمالة في ذلك كله.
تابعهما هشام على إمالة {إِنَاهُ وَلَكِنْ} فقط.
قرأ حمزة {ضِعَافًا} [النساء: 9] بإمالة فتحة العين.
واختُلف عن خلاد، وبالفتح قرأت له على ابن شريح، وبالوجهين على غيره.
وروى أبو عمر عن الكسائي {كَمِشْكَاةٍ} [النور: 35] ممالا.
روى ابن ذكوان {عِمْرَانَ} في قوله تعالى: {وَآلَ عِمْرَانَ} [آل عمران: 33]، و {امْرَأَتُ عِمْرَانَ} [آل عمران: 35]، {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ} [التحريم: 12] وليس في القرآن غيرهن، و {الْمِحْرَابَ} في قوله: {الْمِحْرَابَ وَجَدَ} [آل عمران: 37]، و {يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} [آل عمران: 39]، و {عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ} [مريم: 11]، و {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص: 21] وليس في القرآن غيرهن، و {إِكْرَاهِهِنَّ} في [النور: 33]، و {الْإِكْرَامِ} في الحرفين في [الرحمن: 27، 78].
كل هذه الكلمات بالإمالة، كذا نص عليه الأخفش، وكذا قال هبة الله بن جعفر وغيره عن الأخفش، واستثنى ابن الأخرم {الْمِحْرَابَ} منصوبا فقط.
وقرأت من طريق ابن شنبوذ بإمالة {الْمِحْرَابَ} مخفوضا، وفتح ما سواه من الكلمات.
وكذلك ذكر البغدادي عن النقاش، وقال عثمان بن سعيد عن عبد العزيز عنه بالإمالة في {الْمِحْرَابَ} حيث وقع، وفتح ما سواه.
الباقون بالفتح في جميع الباء، إلا أن ورشا قرأ هذه الحروف التي أمال ابن ذكوان بين بين، إلا {عِمْرَانَ} وحده، وسيأتي شرح مذهبه، وبالله التوفيق.

.السبب الثاني: إمالة الألف المنقلبة

لا تخلو الألف المنقلبة عن ياء أو واو من أن تكون في اسم أو فعل، فالاسم لا يخلو من أن يكون ثلاثيا أو مزيدا، والمزيد لا يخلو أن يكون واحدا أو جمعا.
فالثلاثي ما كان منه من ذوات الواو اتفقوا على فتحه، وما كان من ذوات الياء فله مثالان "فَعَل، فُعَل" بلا هاء، وبهاء التأنيث.
والمزيد ما كان منه جمعا فله ثلاثة أمثلة: "فعائل، فَعَالى، فواعل" وما كان منه واحدا له خمسة أمثلة: "مَفْعَل" بلا هاء، وبهاء التأنيث، "مُفْعَل" بلا هاء، وبهاء التأنيث، "أفعل، فوعلة، مفتعل".
تمثيل ذلك: فَعَل نحو: "الهوى، وهواه" حيث وقع، و"متى" حيث وقعت، و"فتاها، لفتاه، والثرى، والعمى، والشوى" وجملته خمسة وعشرون موضعا.
فُعَل نحو: "الهدى" حيث وقع، و"هداهم، هداها"، و"القرى" حيث وقع، و"النهى، العلى، القوى" وجملتها ستون موضعا.
فُعَلَة موضعان: {مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28]، و {حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102].
مَفْعَل نحو: "المولى، ومولانا، ومولاكم" حيث وقع، و"المأوى، ومأواكم، ومأواهم" حيث وقع، و"مثواه، ومثواكم" حيث وقع، و"محياي، ومحياكم"، و {مَثْنَى} في المكانين [النساء: 3]، [وفاطر: 1]، و {مَجْرَاهَا} في [هود: 41] على قراءة من فتح الميم، و {الْمَرْعَى} [الأعلى: 4]، و {مَرْعَاهَا} [النازعات: 31]، وجملته ثمانية وأربعون موضعا.
مَفْعَلة: {مَرْضَات} وجملته خمسة مواضع: موضعان في [البقرة: 207، 265]، وموضع في [النساء: 114]، وموضع في [التحريم: 1]، وفي [الممتحنة: 1] {ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي}.
مُفْعَل أربعة مواضع: {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} في [الأعراف: 187]، [والنازعات: 42] و {مَجْرَاهَا} ، و {مُرْسَاهَا} في [هود: 41].
مُفْعَلة موضع واحد: {مُزْجَاةٍ} [يوسف: 88].
فوعلة: {التَّوْرَاةَ} في كل إعرابها حيث وقعت، وجملتها ثمانية عشر موضعا.
مفتعل ثلاثة مواضع: {الْمُنْتَهَى} في موضعين في [النجم: 14، 42] و {مُنْتَهَاهَا} في [النازعات: 44].
أفعل نحو: "أدنى، وأزكى، وأبقى" وكذلك إن كان بالألف واللام، نحو: "الأعمى، والأعلى" أو مضافا، وهو موضع واحد: {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} [الشمس: 12] وجملة ذلك اثنان وستون موضعا.
فعائل: "خطايانا، وخطاياكم" حيث وقع.
فَعَالى: {النَّصَارَى}، و {الْيَتَامَى} حيث وقعا، وفي [النور: 32] {الْأَيَامَى}.
فواعل: {الْحَوَايَا} في [الأنعام: 146] وهذه الكلمة يجوز أن يكون وزنها "فعائل"، فأمال جميع هذا الباب حمزة والكسائي.
تابعهما حفص على إمالة {مَجْرَايهَا} في [هود: 41] فقط، لم يمل في القرآن غيره، وفتح الميم كهما.
واستثنى حمزة وأبو الحارث كلمات ففتحاها، وهي: {هُدَايَ} في [البقرة: 38]، [وطه: 123]، و {مَحْيَايَ} في [الأنعام: 146]، و {مَثْوَايَ} في [يوسف: 23].
واستثنى حمزة وحده {حَقَّ تُقَاتِهِ} في [آل عمران: 102]، و {سَوَاءً مَحْيَاهُمْ} في [الجاثية: 21]، و {مَرْضَاتِ اللَّهِ}، و {مَرْضَاتِي} حيث وقع، و"خطايا" حيث وقع.
واختُلف عنه في "التوراة" حيث وقعت، فقيل بالإمالة، وقيل بين اللفظين.
وأما أبو عمرو فأمال "التوراة" حيث وقعت، و {أَعْمَى} الأول من [سبحان: 72] وكل ما كان من هذا الباب قبل ألفه راء، وقرأ بين اللفظين ما كان منه لا راء فيه، وفتح ما سوى ذلك.
تابعه ابن ذكوان على إمالة "التورية" وفتح ما سوى ذلك، إلا أن هبة الله وجعفر بن أبي داود رويا عن الأخفش عنه {مُزْجَاةٍ} [يوسف: 88] بالإمالة، وكذلك نص عليه الأخفش.
وقرأت له من طريق هذا الكتاب بالفتح، وابن أبي داود متحقق بالأخفش، عرض عليه ستا وثلاثين ختمة، حكى ذلك الخزاعي عن محمد بن عبيد بن الخليل عنه.
وقرأ أبو بكر: {أَعْمَى} في الحرفين في [بني إسرائيل: 72] بالإمالة.
وقرأ ورش جميع ذلك بين بين، إلا ما كان في سورة آخر آيها على ألف، ولم يكن فيها راء، فإنه فتح.
أخبرنا أبو داود وأبو الحسن قالا: قال عثمان بن سعيد: وهذا الذي لا يوجد نص بخلافه عنه.
واختلف عن قالون في {التَّوْرَاةَ}، فرواية ابن بويان بالفتح، ورواية غيره عن أبي نشيط بين بين.
الباقون بالفتح في جميع الباب.
ويتعلق بهذا الباب إمالة ثلاثة أحرف: {يَا وَيْلَتَى} [المائدة: 31]، [هود: 72]، و {يَا أَسَفَى} [يوسف: 84]، و {يَا حَسْرَتَى} [الزمر: 56] لأن هذه الألف منقلبة من ياء الإضافة، فالأخذ لأبي شعيب بالفتح فيهن، وللدوري عن أبي عمرو بإمالة {يَا وَيْلَتَى}، و {يَا حَسْرَتَى} فقط، و {يَا أَسَفَى} مفتوحا.
وحمزة والكسائي بإمالتهن على أصلهما، والباقون بإخلاص الفتح فيهن.

.شرح ما أميل من الألف المنقلبة في الأفعال:

التي يختص بهذا الباب منها ما اعتلَّت لامه دون ما اعتلَّت عينه؛ لأن ما اعتلَّت عينه سببه في الإمالة ليس الانقلاب، ولكن سبب آخر على ما نبينه، إن شاء الله تعالى.
فالأفعال تنقسم إلى: ماضٍ ومضارع، والماضي ينقسم إلى: ثلاثي ومزيد، والثلاثي ينقسم إلى: أن يكون من بنات الياء أو من بنات الواو، وله في كليهما بناء واحد وهو "فَعَلَ".
وقد قسم أبو الطيب وغيره ما كان من بنات الياء إلى قسمين: قسم عين الفعل فيه همزة، وقسم ليست عين الفعل فيه همزة.
والمزيد سبعة أبنية: أفْعل، فعَّل، تفعل، افتعل، استفعل، فاعلَ، تفاعلَ.
تمثيل ذلك: فَعَل: من ذوات الواو، لم يختلف فيه إلا في أربعة أفعال، وهي: {دَحَاهَا} [النازعات: 30]، و {طَحَاهَا} [الشمس: 6]، و {تَلاهَا} [الشمس: 2]، و {سَجَى} [الضحى: 2] واتفقوا على التفخيم فيما سوى ذلك، نحو: "دعا، ونجا، وخلا، وبدا".
وذكر بعض الناس أنه يقال: دحيتُ، وأن "دحا" على هذا من ذوات الياء، فليتأمل ذلك.
فَعَلَ: من ذوات الياء، مما ليست عينه همزة: "أبى، وقضى، وكفى، وهدى، ورمى، وطغى، وعسى" حيث وقع، وما أشبهه، وجملتها اثنان وأربعون موضعا.
فأما ما عينه همزة، فنجعله في باب "الإمالة للإمالة".
أفْعل نحو: "أحيا" اتصل به ضمير أو لم يتصل، و"أتاكم، وأحصى"، و"أدراك، أدراكم" حيث وقع، {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ} [الأنفال: 43]، و {أَوْحَى}، و {أَلْقَى} ونحوه.
وجملته مائة وثلاثة وعشرون موضعا.
فعَّل نحو: {فَسَوَّاهُنَّ} [البقرة: 29]، و {وَفَّى} [النجم: 37]، و {وَصَّى}، و {وَصَّاكُمُ} حيث وقع، و {نَجَّاكُمْ}، و {نَجَّاهُمْ} حيث وقع، و {صَلَّى}، و {جَلَّاهَا}، و {سَوَّاهَا}، و {زَكَّاهَا}، و {دَسَّاهَا} ونحوه، وجملته سبعة وثلاثون موضعا.
تفعَّل نحو: {تَوَلَّى} حيث وقع، "تلقى، تزكى، تجلى، تمنى، فتدلى" وشبهه، وجملته ثلاثون موضعا.
افتعل نحو: "اهتدى، استوى، افترى، ارتضى، اتقى، اعتدى" حيث وقعن، و {اجْتَبَاهُ} وشبهه، وجملته سبعة وسبعون موضعا.
استفعل وجملته سبعة مواضع: {اسْتَسْقَى} [البقرة: 60]، و {اسْتَسْقَاهُ} [الأعراف: 160]، و {اسْتَهْواَهُ} [الأنعام: 71] على قراءة حمزة، و {اسْتَعْلَى}، و {اسْتَغْنَى} في [عبس: 5]، [والليل: 8]، [والعلق: 7].
فاعل: لفظ {نَادَى}، و {نَادَاهُ} [النازعات: 16]، و {نَادَانَا} [الصافات: 75]، وجملته تسعة عشر موضعا، {سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} [الكهف: 96] فجميعه عشرون موضعا.
تفاعل: لفظة {تَعَالَى} حيث كان، عشرة مواضع، وقوله تعالى: {فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} [القمر: 29].
فجميعه أحد عشر موضعا، وثم ثاني عشر، وهي {تَرَاءَى الْجَمْعَانِ} [الشعراء: 61] نذكره في الوقف على الممال بعد، إن شاء الله.
فأمال جميع ذلك حمزة والكسائي إلا أن حمزة استثنى من "فَعَل، وأَفْعَل" مواضع ففتحها.
أما ما فتح من "فَعَل" فست كلم، الأربع التي من ذوات الواو، واثنتان من ذوات الياء، وهما في [الأنعام: 80] {وَقَدْ هَدَانِ} رأس الثمانين منها، فأما {هَدَانِي رَبِّي} [161] من آخرها، فاتفقا على إمالته.
قال لنا أبي -رضي الله عنه- غير مرة: أمال {وَقَدْ هَدَانِ} الكسائي، و {هَدَانِي} حمزة والكسائي.
وقال الأهوازي: أجمع رواة حمزة على إمالة {هَدَانِي} في سورة الأنعام.
والكلمة الثانية {وَمَنْ عَصَانِي} في [إبراهيم: 36].
وأما ما فتح من "أفعل" فقوله تعالى: {أَنْسَانِيهُ} في [الكهف: 63]، و {أَوْصَانِي بِالصَّلاةِ}، و {آتَانِيَ الْكِتَابَ} في [مريم: 30، 31]، و {فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ} في [النمل: 36]، وما جاء من {الْحَيَاةِ} غير معطوف بالواو، نحو "أحياكم، وثم أحياكم، وفأحيا به، وأحياها" فإن كان معطوفا بالواو اتفقا على الإمالة نحو {أَمَاتَ وَأَحْيَا} [النجم: 44]، و {نَمُوتُ وَنَحْيَا} [الجاثية: 24] وكذلك اتفقا وإن فصل بينهما بحرف نحو {لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} [طه: 74].
وزاد حمزة في "تفعَّل" و"استفعل" {تَوَفَّاهُ} [الأنعام: 61]، و {اسْتَهْواََهُ} [الأنعام: 71] فأمالهما وحده؛ لأن الكسائي يقرؤهما بالتاء كسائر القراء.
ولا خلاف بينهما بعد هذا في إمالة جميع الباب على اختلاف مثله، إلا أن فارس بن أحمد كان يأخذ لحمزة في: {وَآتَانِي رَحْمَةًَ} [هود: 28]، و {آتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً} [هود: 63] و {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي} في [الزمر: 57] بالفتح، وكان يزعم أن حمزة لم يمل من هذا الباب مما اتصل بضمير إلا {هَدَانِي رَبِّي} في آخر [الأنعام: 161].
وتابعهما أبو بكر على إمالة {رَمَى} في [الأنفال: 17]، و"أدراك، وأدراكم" حيث وقع، ووقف بالإمالة على {مَكَانًا سُوَى} [طه: 58]، و {أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة: 36].
وافقهما أبو عمرو على إمالة "أدراك، وأدراكم" حيث وقع.
واختُلف فيه عن ابن ذكوان، فقال ابن شنبوذ بالإمالة.
واختُلف عن ابن الأخرم، وقال النقاش بالفتح، وروي أيضا عن جماعة عن ابن ذكوان {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: 1] ممالا، وهي رواية ابن شنبوذ عن الأخفش فيما حدثنا به أبو داود عن أبي عمرو، عن فارس عن أبي أحمد، عن ابن شنبوذ.
والذي قرأت به على ابن شريح من طريق ابن شنبوذ الفتح، وبه قرأت من جميع طرق الأخفش عن ابن ذكوان.
وقرأ أيضا أبو عمرو كل ما كان فيه من ذلك راء قبل الألف بالإمالة، وما كان رأس آية بين اللفظين، وفتح ما سوى ذلك.
وقرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين، وذكر النحاس عن أبي يعقوب عنه أنه روى عن نافع {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ} [الأنفال: 43] بالفتح، واختار ورش الترقيق، وقرأ الباقون جميع ذلك بالفتح.

.ذكر الأفعال المضارعة:

لا يخلو ما أُميل منها أن يكون مبنيا للفاعل أو مبنيا للمفعول.
فالمبني للفاعل له ثلاثة أبنية: أفْعل، يفعَل، تفعَل، نفعَل، فهذا بناء واحد تعاقبت عليه الزوائد الأربع.
والبناء الآخر: يتفعَّل، تتفعَّل.
والثالث: يتفاعل، تتفاعل.
والمبني للمفعول له أربعة أبنية: يُفعَل، تُفعَل، نُفعَل، فهذا بناء واحد على ما تقدم.
تُفعَّل، يُفعَّل، وهذا بناء آخر.
يُتفعَّل، يُفتعَل.
تمثيل ذلك: أفعل نحو: "أرى، وأراكم، وأراني" حيث وقعن، وذلك أحد عشر موضعا.
و {أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88]، و {آسَى عَلَى قَوْمٍ} [الأعراف: 93] فجميع ذلك ثلاثة عشر موضعا.
يفعل نحو: "يرى، ويراكم" حيث وقع، و"يرضى، ويغشاه، ويغشاهم، ويغشاها، ويطغى، ويخشى، وسيصلى" وهذا وحده مستقل لدخول السين عليه، "ولا يخفى، ولا يبلى" وشبهه.
وجملته خمسون موضعا.
تَفعَل نحو: {تَرَى} حيث وقع، و"تراه، وتراهم، وتهوى، وترضى، وترضاه، وتغشى، وتشقى، وتأبى، وتخشى" وشبهه، وجملته خمسة وأربعون موضعا.
نَفعَل نحو: {نَرَى} حيث وقع، و"نراك، ونراه، ونحيا، وننساكم" ونحوه، وجملته سبعة عشر موضعا.
يَتفعَّل نحو: {يَتَوَلَّى}، و {يَتَوَفَّاكُمْ} حيث وقع، و {يَزَّكَّى} في الموضعين [عبس: 3، 7]، و {يَتَمَطَّى} [القيامة: 33]، و {يَتَزَكَّى} [الليل: 18] وشبهه، وجملته خمسة عشر موضعا.
تَتَفعَّل خمسة مواضع: {تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ} [النحل: 28، و32]، و {تَزَكَّى}، و {تَصَدَّى} [عبس: 6]، و {تَلَهَّى} [عبس: 10]، و {نَارًا تَلَظَّى} [الليل: 14].
يَتَفاعل، وتَتَفاعل ثلاثة مواضع: {يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ} [النحل: 59]، و {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} [السجدة: 16]، و {تَتَمَارَى} [النجم: 55].
يُفعَل، وتُفعَل، ونُفعَل، نحو: {أَنْ يُؤْتَى} [آل عمران: 73]، [المدثر: 52]، و {يُتْلَى عَلَيْكُمْ}، و {يُوحَى إِلَيَّ}، و {أَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ} [آل عمران: 101]، و {تُنْسَى}، و {تُجْزَى}، و {نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ} [الأنعام: 124] وجملته ثلاثة وسبعون موضعا.
تُفَعَّل، ويُفَعَّل نحو: "تُوفى، وتُسوى، ويُصلى سعيرا، ويلقاها" وجملته تسعة مواضع.
يُتَفعَّل: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى} في [الحج: 5، والمؤمن: 67].
يُفتعَل: موضعان {يُفْتَرَى} في [يونس: 37]، [ويوسف: 111] فأمال جميع ذلك حمزة والكسائي.
وقرأ أبو عمرو ما كان من ذلك فيه راء بالإمالة، وما كان رأس آية بين اللفظين، وما سوى ذلك بالفتح، وقرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين، وفتح الباقون، والله أعلم.

.السبب الثالث: إمالة الألف المشبهة بالمنقلبة

هذا الباب له أربعة أوزان "فَعْلَى، فِعْلَى" وتكون ألفهما للتأنيث، وقد تكون للإلحاق "فُعْلَى، فُعَالى" ولا تكون ألفهما إلا للتأنيث.
تمثيل ذلك: فَعْلَى نحو: "الموتى، والتقوى، وشتى" حيث وقعن، و"نجواهم، ونجواكم، وصرعى" وشبهه.
أخبرني أبو الحسن بن شفيع المقرئ -رحمه الله- أن جملته على قراءة أبي عمرو ستون موضعا، وقرأتها عليه بين اللفظين، فلفّظني بذلك، وذكر في العدة {يَحْيَى} اسم النبي -عليه السلام.
وحدثنا أبو داود عن أبي عمرو أنها خمسة وستون موضعا، زاد {أسْرَى تفادوهم} [البقرة: 85] على قراءة حمزة، و {مِنَ الْأَسْرَى} [الأنفال: 70] على قراءة الجماعة إلا أبا عمرو، و{سَكْرَى وما هم بِسَكْرَى} [الحج: 2] على قراءة حمزة والكسائي، و {تَتْرَا} [المؤمنون: 44] على قراءة الجماعة إلا ابن كثير وأبا عمرو، وهي أيضا عندنا على قراءتهما "فَعْلَى" والألف للإلحاق، وعند من لم ينون "فَعْلَى" والألف للتأنيث، وسيجيء الكلام عليها بعد إن شاء الله.
ولم يذكر أبو عمرو في العدة {يَحْيَى}.
فِعْلَى: أخبرني أبو الحسن بن شفيع أن الوارد من "فِعْلى" من غير راء ثلاثة عشر موضعا، وقرأتها عليه، وهي {بِسِيمَاهُمْ} في ستة مواضع، و {إِحْدَاهُمَا} في أربعة مواضع، و {إِحْدَاهُنَّ} [النساء: 20] و {عِيسَى} اسم النبي -عليه السلام- حيث وقع، و {ضِيزَى} [النجم: 22].
وحدثنا أبو داود عن أبي عمرو أن الوارد من "فِعْلى" فيه الراء كلمتان "ذكرى، والذكرى، وذكراهم" وتكررت في تسعة عشر موضعا، و {رَبُّ الشِّعْرَى} [النجم: 49] فذلك عشرون موضعا.
وحدثنا أبو القاسم -رحمه الله- قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن علي بن زيد عن أبي الطيب أن جملة ما جاء من "فعلى" خمسة وثلاثون موضعا.
فُعْلى نحو: {أُنْثَى}، و {الدُّنْيَا}، و {مُوسَى} اسم النبي -عليه السلام- حيث وقعن، و {الْعُزَّى}، و"الرؤيا، ورؤياي، ورؤياك"، و {الْحُسْنَى}، و {وَأُخْرَى} وشبهه، وجملته مائة واثنان وعشرون موضعا، وإن عُد فيها {ضِيزَى} مما هو "فعلى"، كما هو "فعلى" جاء العدد ثلاثة وعشرين.
وأخبرني أبو الحسن بن شفيع أن الوارد من "فُعْلى" من غير ذكر ما فيه الراء وكلمة {مُوسَى}، و {الدُّنْيَا} تسعة وسبعون موضعا، وقرأتها عليه -رحمه الله.
فُعَالى جملته تسعة مواضع: {أُسَارَى} في [البقرة: 85] على غير قراءة حمزة، وفي [النساء: 43، 142]، و {وَأَنْتُمْ سُكَارَى}، و {قَامُوا كُسَالَى}، وفي [الأنعام، 94] {فُرَادَى}، وفي [الأنفال: 70] "من الأسارى" على قراءة أبي عمرو، وفي [التوبة: 54] {إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى}، وفي [الحج: 2] {سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} في قراءة أبي عمرو، وفي [سبأ: 46] {فُرَادَى} فقرأ حمزة والكسائي جميع ذلك بالإمالة، ووافقهما أبو عمرو على ما فيه، وما لا راء فيه من الأوزان الثلاثة بين اللفظين، وما سوى ذلك بالفتح.
واختلف عنه في {بُشْرَى} في [يوسف: 19] فقيل عنه بالإمالة حملا على النظائر، وقيل عنه بالفتح فيه.
قال عثمان بن سعيد: وبالفتح يأخذ عامة أهل الأداء في مذهبه، وهو قول ابن مجاهد، وبذلك ورد النص عنه من طريق السوسي عن اليزيدي وغيره.
وقرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين، على اختلاف عنه فيما لم يكن رأس آية، ولا كانت فيه راء.
وأخلص الباقون الفتح في جميع ذلك.
قال أبو جعفر: جعل القراء في هذا الكتاب "يحيى، وموسى، وعيسى" على أنها "فَعْلى، وفُعْلى، وفِعْلى" وأضافوا إلى ذلك {أَنَّى} التي بمعنى "كيف".
ومنهم من تكلم على تعليل ذلك بما هو غير مرضي، ونحن نبين ما عندنا مختصرا.
فأما {يَحْيَى} فوزنه "يفعل" ولا يكون "فَعْلى" لأن الياء أولا يقضى بزيادتها للكثرة عند سيبويه، وما نسب إلى الكسائي أو غيره من أن وزنه "فَعْلى" لا يصح.
وأما {مُوسَى} فنص سيبويه على أنه "مُفْعَل" في حد ما لا ينصرف، واحتج في الأبنية على ذلك بأن زيادة الميم أولا أكثر من زيادة الألف آخِرا، واحتج أبو علي على أنه "مفعل" بإجماعهم على صرفه في النكرة، ولو كان "فُعْلى" لم ينصرف في النكرة؛ لأن الألف كانت تكون للتأنيث لا للإلحاق.
وأما {عِيسَى} فقال سيبويه: "عيسى فِعْلى، والياء فيه ملحقة ببنات الأربعة، بمنزلة ياء معزى".
قال أبو علي: وليست للتأنيث كالتي في {ذِكْرَى} بدلالة صرفهم له في النكرة.
قال أبي -رضي الله عنه: ولا يكون عيسى "فِعْلَل" كما يقول عثمان بن سعيد وغيره من المقرئين؛ لأن الياء والواو يكونان أصلا في بنات الأربعة، وإنما أرادوا "فِعْلى" فلم يُحصِّلوا.
وهذه الأسماء أعجمية، وكل أعجمي استعمله العرب فالنحويون يتكلمون على أحكامه في التصريف على الحد الذي يتكلمون في العربي، فعيسى وحده من هذا الباب، وذكرهم: موسى ويحيى فيه لا وجه له، فالواجب على ذلك أن يمال{عِيسَى} بين بين لأبي عمرو، ويخلص له الفتح في "يحيى وموسى".
وقد اختلفت الرواية عن اليزيدي في ذلك، فقال أحمد بن جبير في "جامعه" عنه: موسى وعيسى بالكسر، وقال في "مختصره": بالفتح، ولم يذكر {يَحْيَى} بشيء.
وروى الحلواني عن أبي عمر عن اليزيدي فيهن بالفتح.
وحكى الخزاعي عن الحسن بن سعيد المطوعي قال: الإمالة طريق الرواية، والقراءة بالفتح.
وحكى الأهوازي أن الفتح في "موسى، وعيسى" اختيار ابن مجاهد في قراءة أبي عمرو، وقال: وقرأت أيضا على أصحاب ابن مجاهد "موسى، وعيسى، ويحيى" بين الفتح والكسر فيهن.
وقال عثمان بن سعيد: وكذلك قرأت له من جميع الطرق، يعني بين الفتح والكسر، وحكاه عن الشذائي عن ابن مجاهد وغيره.
وذكر الأهوازي عن ابن حبش عن أبي شعيب فيهن بالكسر، والظاهر من "المنتهى" الفتح.
وعلى ما قررنا من صحة أوزان هذه الكلم يجب أن يمال لأبي عمرو {عِيسَى} وحده، فإن أخذت له بإمالة بين بين في "موسى، ويحيى" فعلى أنه أمال ما ليس وزنه "فُعْلى، وفَعْلى" وليس من أصل قوله إمالة ما خرج عن الأوزان الثلاثة، ولكن الرواية قوية في إمالتها، فالفتح أقيس والإمالة آثر، والله أعلم.
وأما {أَنَّى} وجملة ما في القرآن منه ثمانية وعشرون موضعا، فحدثنا عبد الرحمن بن محمد بن عتاب، حدثنا أبو محمد مكي، عن أبي الطيب، عن أبي سهل، عن ابن مجاهد أنه كان يجيز في {أَنَّى} أن يكون "فَعْلى"، و"أفْعل" وكان يختار أن يكون "فَعْلى".
وحدثنا أبو الحسن بن كرز، عن ابن عبد الوهاب، عن الأهوازي قال: من أمال عن أبي عمرو أمال "أَنَّى" حيث كان؛ لأنه على وزن "فَعْلى".
وقال لي أبي -رضي الله عنه: نحن نختار أن يكون {أَنَّى} أفعل خلافا لابن مجاهد والأهوازي؛ لأن زيادة الهمزة أولا عند سيبويه أكثر من زيادة الألف آخرا.
ولذلك قال لي في "أروى": أفعل لا فعلى، فالوجه إمالتها لحمزة والكسائي، وبين بين لورش، وفتحها لأبي عمرو، والله أعلم.
وسئل أبي -رضي الله عنه- عن إمالة {زَكَرِيَّا} لحمزة والكسائي فقال: لا أعلم أحدا ممن لقيته ولا من غيره أخذ بالإمالة فيه، وإذا كان كذلك وجب القضاء بأن ألف {زَكَرِيَّا} لغير التأنيث، وأنها للمدة التي كانت في زكرياء، ثم حذفت الهمزة حذفا لاستثقالها، على حد ما حذفها البزي من قوله تعالى: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ} وليس ذلك عندهما على لغة من قصر، إذا ثبت أن القصر لغة، وما ذكر القراء من إمالتها ألف التأنيث يتضمن عقد القياس في إمالة ما ثبت أن ألفه ألف تأنيث.
قال أبو جعفر: والنص على هذا الحرف معدوم، ولا أعلم أحدا نبه على أنهما لا يميلانه إلا أبا عبد الله محمد بن سفيان، فإنه ذكر أنه لا يمال في كتابه "الهادي" تبعه عليه محمد بن شريح، ونقله إلى "الكافي" والله أعلم.

.السبب الرابع: الإمالة لكسرة تكون في بعض الأحوال

قال سيبويه: "ومما يميلون ألفه كل شيء كان من بنات الياء والواو مما هما فيه عين، إذا كان أول "فعلْت" مكسورا، نَحَوْا بالفتحة نحو الكسرة، كما نَحَوْا بالألف نحو الياء فيما كانت ألفه في موضع الياء، وهي لغة لبعض أهل الحجاز".
قال أبو جعفر: اختلفوا من هذا في عشرة أفعال، كلها تجيء مكسورة الفاء في "فَعَلت"، وهي "جاء، وشاء، وزاد، وران، وخاف، وطاب، وخاب، وحاق، وضاق، وزاغ" سواء اتصلت بهذه الأفعال ضمائر أو لم تتصل، إذا كانت ثلاثية ماضية.
أما {جَاءَ} فجملته في القرآن مائة واثنان وعشرون موضعا.
وأما {شَاءَ} فجملته مائة موضع وستة مواضع، في النصف الأول ثلاثة وخمسون، وفي النصف الثاني كذلك.
واما "زاد" فجملته خمسة عشر موضعا، وهي: {فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} [البقرة: 10]، و {وَزَادَهُ بَسْطَةً} [البقرة: 247]، و {فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا} [آل عمران: 173]، و {وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ} [الأعراف: 69]، و {زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: 2]، و {مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} [التوبة: 47]، و {زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا} [التوبة: 124]، و {فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التوبة: 124]، و {فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا} [التوبة: 124] و {وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} [هود: 101]، و {وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان: 60]، و {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا} [الأحزاب: 22]، {مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا} [فاطر: 42]، و {زَادَهُمْ هُدًى} [محمد: 17]، {فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن: 6].
وأما {رَانَ} فموضع واحد: {بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [المطففين: 14].
وأما {خَافَ} فجملته ثمانية مواضع: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍِ} [البقرة: 182]، {خَافُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 9]، {خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا} [النساء: 128]، {لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ} [هود: 103]، {لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيد} [إبراهيم: 14]، {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} [الرحمن: 46]، {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} [النازعات: 40].
وأما {طَابَ} فموضع واحد: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: 3].
وأما {خَابَ} فجملته أربعة مواضع: {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍِ} [إبراهيم: 15]، {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} [طه: 61]، {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} [طه: 111]، {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 10].
وأما {حَاقَ} فجملته تسعة مواضع: {فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا} في [الأنعام: 10]، [والأنبياء: 41] {وَحَاقَ بِهِمْ} في [هود: 8]، [والنحل: 34]، [والزمر: 48]، [والمؤمن: 83]، [والجاثية: 33]، [والأحقاف: 26]، {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ} في [المؤمن: 45].
وأما {ضَاقَ} فجملته خمسة مواضع: {وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ} في ثلاثة مواضع في [التوبة: 25، 118]، و {ضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} في [هود: 77]، [والعنكبوت: 33].
وأما {زَاغَ} فأربعة مواضع، المختلف فيه منها موضعان: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ} في [النجم: 17]، {فَلَمَّا زَاغُوا} في [الصف: 5].
فأمال حمزة هذه الأفعال في جميع هذه المواضع.
تابعه الكسائي وأبو بكر على إمالة {رَانَ} وحده.
وتابعه ابن ذكوان على إمالة "جاء، وشاء" حيث وقعا، و {فَزَادَهُمُ} في أول البقرة حسب.
هذه رواية ابن الأخرم وابن شنبوذ عن الأخفش عنه.
وتابعهما على ذلك جعفر بن سليمان، وهو متحقق بالأخفش ضابط عنه، وقال النقاش وغيره عنه بالإمالة في "زاد" في جميع القرآن، وأنا إلى رواية من خصّص أميَل.
قال الأهوازي: وأهل العراق يقولون: ابن عامر ألطف إمالة من حمزة في ذلك.
والخلاف في هذه الأفعال العشرة وإن اتصل بها ضمير، كالخلاف وإن لم يتصل.
فأما {زَاغَتْ} في [الأحزاب: 10، وص: 63] فذكر الأهوازي، وغيره أن الفتح فيهما اتفاق من جميع القراء.
وحكى الخزاعي عن العبسي، وابن زربي إمالة {أَمْ زَاغَتْ} [ص: 63] وعن العبسي وحده إمالة {وَإِذْ زَاغَتْ} [الأحزاب: 10].
فأما ما كان من مضارع هذه الأفعال على "يَفْعَل" فلا خلاف في فتحه حيث وقع، وذلك فعلان "يشاء، ويخافون، وخافونِ" لأن ما سواها مضارعه على "يَفْعِل".
فأما المنقول بالهمزة، نحو: {فَأَجَاءَهَا} [مريم: 23]، و {أَزَاغَ اللَّهُ} [الصف: 5] فلا خلاف أيضا في فتحه.
على أني قرأت على أبي القاسم -رحمه الله- لحمزة من طريق ابن قنبي عن سليم عن حمزة {أَزَاغَ اللَّهُ} بالإمالة، وأذكر أنني كررت لفظي به عليه -رحمه الله- عند التلاوة، وكذلك قرأت عليه في غير السبعة {فَأَجَاءَهَا} ممالا.
وألف هذه الأفعال منقلب عن ياء إلا {خَافَ} وحدها، قال سيبويه: فإنها منقلبة عن واو، وقرأ بعضهم {خَافَ} يعني ممالا، قال: وأما العامة فلا يميلون ما كانت الواو فيه عينا.

.السبب الخامس: الإمالة للإمالة

قال سيبويه: "وقال ناس: رأيت عمادا، فأمالوا للإمالة، كما أمالوا للكسرة".
قال: "وقالوا: معزانا في قول من قال: عمادا، فأمالهما جميعا، وذا قياس".
قال أبو جعفر: ما أميل لأجل الإمالة مما اختلف فيه القراء لا يخلو من أن يكون فعلا أو اسما.
فالفعل ثلاث كلم: "رأى، ونأى، وتراءى".
فأما {رَأَى} فلا يخلو أن تلقاه ألف الوصل، وأن لا تلقاه.
فإن لم تلقه، فجملة ما جاء منه ستة عشر موضعا، أولها في [الأنعام: 76] {رَأى كَوْكَبًا} وفي [هود: 70] {رَأى أَيْدِيَهُمْ}، وفي [يوسف: 24، 28] {لَوْلا أَن رَّأَى}، و {فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ}، وفي [طه: 10] {رَأَى نَارًا}، وفي [الأنبياء: 36] {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} وفي [النمل: 10، 40] {فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ}، {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ}، وفي [القصص: 31] {فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ}، وفي [فاطر: 8] {فَرَآهُ حَسَنًا}، وفي [الصافات: 55] {فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ}، وفي [النجم: 11، 13، 18] {مَا رَأَى}، {وَلَقَدْ رَآهُ}، {وَلَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ}، وفي [التكوير: 23] {وَلَقَدْ رَآهُ}، وفي العلق {أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} [7].
فقرأ هذه الستة عشر بإمالة فتحة الراء والهمزة جميعا حمزة والكسائي وأبو بكر وابن ذكوان في رواية ابن شنبوذ.
وكذلك قال السلمي عن ابن الأخرم فيما أظن: إنه يميل.
وقال النقاش عن الأخفش، والشنبوذي والثغري عن ابن الأخرم بإمالة ما لم يتصل به ضمير من ذلك، وهو سبعة مواضع، وبفتح ما سوى ذلك.
وقال أهل الشام عن الأخفش بإمالة {رَأَى كَوْكَبًا} في الأنعام، وفتح ما عداه، وبه قرأ الخزاعي على ابن الخليل، عن قراءته على ابن الأخرم وابن أبي سليمان، والله أعلم.
وقرأ ورش الراء والهمزة بين بين في الجميع.
وقرأ أبو عمرو بإمالة الهمزة فقط، فلا يكون على قراءته إمالة لإمالة؛ لأنه إنما أمال الألف المنقلبة عن الياء، على أن ابن برزة قد روى عن الدوري عن اليزيدي إمالة الراء والهمزة معا.
قال عثمان بن سعيد: وقد روي كذلك عن أبي شعيب.
الباقون بفتحهما جميعا.
الثاني من قسمي {رَأَى} وهو ما لقيته ألف وصل، وجملته ستة مواضع، في [الأنعام: 77، 78] {رَأَى الْقَمَرَ} و {رَأَى الشَّمْسَ}، وفي [النحل: 85، 86] {وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}، {وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا}، وفي [الكهف: 53] {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ}، وفي [الأحزاب: 22] {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ}.
فقرأ حمزة وأبو بكر بإمالة فتحة الراء فقط.
وقرأ الباقون بفتحهما.
فإن فُصل من الساكن بالوقف، فالخلاف فيه مثله في {رَأَى كَوْكَبًا}.
وقد روى العبسي عن حمزة، وخلف عن يحيى عن أبي بكر بإمالة فتحة الراء والهمزة في ذلك كالأول، قال الخزاعي: وهي رواية الشذائي عن أبي عون، وأبي حمدون عن يحيى.
وذكر الأهوازي أنها رواية المعلَّى وحسين الجعفي عن أبي بكر.
وذكر عثمان بن سعيد أنه كذلك قرأ على فارس بن أحمد لأبي شعيب.
وروى جماعة عن اليزيدي بإمالة فتحة الراء والهمزة في ذلك.
فأما {رَأَتْهُ} في [النمل: 44] فلا خلاف بينهم في فتحه.
الكلمة الثانية وهي: {نَأَى بِجَانِبِهِ} في موضعين، في [سبحان: 83]، [وفصلت: 51].
قرأه الجماعة {وَنَأَى} على وزن "وَنَعَى" إلا ابن ذكوان، فإنه قرأه "وناء" على وزن "باع".
وأمال الكسائي وخلف فتحة النون والهمزة فيهما.
وأمال خلاد فتحة الهمزة فقط فيهما.
وروى المروزي عن أبي شعيب مثل ذلك.
وأمال أبو بكر فتحة الهمزة في "سبحان" وفتحها في "فصلت".
وورش يفتح النون والهمزة بين بين على أصله في ذوات الياء.
والباقون بفتحهما فيهما.
الكلمة الثالثة هي: {تَرَاءَى الْجَمْعَانِ} في [الشعراء: 61].
إذا وقف عليها حمزة والكسائي أمالا الألف المنقلبة عن لام الفعل، وحمزة يميل ألف "تفاعل" وصلا ووقفا لإماله الألف المنقلبة، ففي قراءته إمالة لإمالة.
وفي هذا الفعل وفي {رَأَى} إذا استقبله ألف وصل لمن أمال للإمالة حذف السبب وإبقاء المسبَّب كما قالوا: "صَعَقِيّ" في النسب إلى الصَّعِق.
وورش إذا وقف رقّق الألف المنقلبة على أصله.
والباقون بفتحها.
فأما الأسماء فلم يجئ فيها إمالة لإمالة من طرق هذا الكتاب، ولكني قرأت من طريق أبي عثمان عن أبي عمر عن الكسائي بإمالة الصاد والتاء والسين والكاف من "النصارى، واليتامى، وكُسَالى، وسُكَارى، وبسُكَارى" في كل القرآن، إلا أن تلقى ساكنا نحو: {النَّصَارَى الْمَسِيحُ} [التوبة: 30]، و {يَتَامَى النِّسَاءِ} [النساء: 127] فإنه يفتح.
وهي رواية أحمد بن فرح عن أبي عمر نصا في خمستهن، وحدثنا أبو داود، حدثنا أبو عمر وقال: وكذلك رواية ابن مجاهد عن أبي الزعراء، عن أبي عمر عنه، وقال: أنا أقرأ لنفسي بإمالة ما قبل الألف، فإذا أخذت عليَّ الناس فتحتها.
قال: وروى محمد بن يحيى الكسائي عن أبي الحارث عنه أنه قرأ: {الْيَتَامَى}، و {يَتَامَى النِّسَاءِ} بإمالة التاء.
قال محمد بن يحيى: قال أبو الحارث: استبشعته.
وقرأت في رواية الشيرازي عن الكسائي بإمالة الطاء من: {خَطَايَاكُمْ} وبابها حيث كان.
وذكر الأهوازي عن أبي عبد الرحمن عن أبيه عن أبي عمرو رءوس الآي التي فيها هاء بين ألفين بإمالة الألف التي بعدها بين الفتح والكسر، كآخر سورة "النازعات"، و"الشمس" قال: وقرأت عن الشذائي عن ابن مجاهد عن أصحابه عنه بإمالة ألفين جميعا من قوله -عز وجل: {مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود: 41] بين الفتح والكسر من الكلمتين جميعا لا غير.
وقد مر الاختلاف في الألف المنقلبة، وألف التأنيث من هذه الكلم مع غيرها.

.السبب السادس: إمالة الألف للياء

وهو السبب الثاني في الترتيب
قال سيبويه: "ومما تمال ألفه قولهم: كيال وبياع، وسمعنا بعض من يوثق بعربيته يقول: كيال كما ترى فيميل، وإنما فعلوا هذا لأن قبلها ياء، فصارت بمنزلة الكسرة إلتي تكون قبلها نحو: سراج وجمال".
قال أبو جعفر: اعلم أن الياء وإن كانت من أقوى أسباب الإمالة، فإنا لم نجدها على انفرادها سببا موجبا لشيء مما أماله القراء من طرقهم المذكورة عنهم في هذا الكتاب إلا في "المحراب، وحيران" في أحد الوجهين عن ورش، وشبهه مما تفرد بترقيقه من الراءات ورش، وله مذهب في الراءات نذكره بعدُ إن شاء الله.
فأما إمالة الألف من أجل الياء، فذلك موجود في إمالة قتيبة وحده عن الكسائي.
فأما ما كانت الياء فيه مؤكدة لإمالة الممال فكثير نحو: "الكافرين، وطغيانهم".